اضراب المعلمين ،، ما بين عدالة المطالب المُحقة .. واستغلال الغير ،، واستجداء الحكومة

بقلم : عبدالله نمر أبو الكـاس ،

➖➖➖

أقرت كل قوانين ودساتير العالم ،، ومنها القانون الفلسطيني جُملة من الحقوق والواجبات للعاملين في الوظيفة العمومية ،، بشقيه المدني والعسكري ،، حيث ومن ضمن واجبات الموظف المدني في دولة فلسطين ،، وحسب قانون الخدمة المدنية عليه أن يؤدي عمله المنوط به بكل أمانة واخلاص ،، وأن يخصص وقت العمل الرسمي لذلك ،، ويقابل لقاء القيام بواجباته حقوق أهمها الحقوق المادية المتعلقة بالأجر ( الراتب ) والعلاوات المختلفة ،، والحوافز وبدل المخاطرة ،، وطبيعة العمل وعلاوة التخصص ،، وما شابه وحقوق معنوية أخرى ،، فالحقوق أياً كانت مكفولة بالقانون كالواجبات ولا أحد يستطيع أن يُنكرها أو يمنعها عن البعض ..*

*شعبنا الفلسطيني يعيش ظروف استثنائية غير عادية تختلف عن باقي دول العالم بفعل الورم السرطاني الخبيث الإحتلال الإسرائيلي ،، ولم ننل الاستقلال ولا الحرية ،، وبسبب هذا الإحتلال تولدت وتتولد الكثير من الأزمات والمشاكل في المجتمع الفلسطيني إثر التدخل السافر في شئوننا الداخلية ،، والتغول على حقوقنا الوطنية المشروعة ،، حتى أن الاقتصاد الفلسطيني بات مرتبط بدولة الاحتلال بسبب هيمنته على المنافذ والمعابر واستيلائه على الموارد وعائدات الضرائب والمقاصة ،، وسرقته كل خيرات شعبنا ومقدراته ،، ولا يمكن الفصل ما بين اجراءات وممارسات الاحتلال عن طبيعة الواقع الذي نعيشه ولا المعطيات والتحديات المفروضة على الأرض ،، ولا الآثار المترتبة عليه ،، ورغم كل ذلك لا أحد يستطيع أن يقفز من فوقها ،، ولا تجاوز القوانين مهما بلغ شأنه ،، ولا سلب استحقاقات الموظفين في الوظيفة العمومية بشقيها المدني والعسكري (ضفة وغزة) والتذرع ببقاء الاحتلال ،، ومن ضمن هؤلاء الموظفين فئة المعلمين ،، تلك الشريحة المهمة ،، والتي لعبت ولازالت تلعب دوراً وطنياً هاماً في إفشال سياسة التجهيل التي حاول الإحتلال الإسرائيلي تكريسها بين أوساط شعبنا ومجتمعنا من خلال الملاحقة والمطاردة والمضايقات للمعلمين والطلاب ،، فالكل يولي طبقة المعلمين بالغ الإهتمام ويطالب بإنصافها ،، كذلك إنصاف الموظفين جميعاً ،، دون تمييز أو تفضيل شريحة بعينها ومنحهم حقوقهم فالكل في موقعه ومجاله يعطي ويعمل ويقوم بدوره الوطني أولاً ومن ثم الوظيفي ..*

*وبخصوص إضراب المعلمين المستمر في الضفة الغربية والسجال الكثير حوله ،، والاهتمام الكبير به كونه تسبب في إيقاف عجلة التعليم لهذا العام ،، والخشية أن يستمر كثيراً مما سيشكل خطراً على مستقبل الطلبة ،، هذا الإضراب الذي يقف خلفه ما يسمى حراك المعلمين ،، حاملاً شعار مطالب وحقوق المعلمين ،، وأمور أخرى ،، فإن كان الاضراب حق للموظف ومكفول بالدستور ،، فالأصل أن لا يُلحق هذا الإضراب ويتسبب بضرر جسيم في المصلحة العامة ،، وغالبية جماهير شعبنا متفقة على أن تعطيل العام الدراسي أكبر ضرر يلحق بالمسيرة التعليمية خاصة بعد أن تحققت غالبية مطالب المضربين ،، ولم ينتهي الإضراب ولم يعود المدرسين لأماكن عملهم رغم المطالبات والدعوات لذلك ،، الأمر الذي يدلل على أن الهدف من الإضراب ليس حقوق ومطالب ،، وبات السواد الأعظم من شعبنا يدرك تماماً أنه قد أستُغل من قبل البعض لتحقيق مآرب وأهداف خاصة وأصبح الاستمرار بالاضراب والمناداة بحقوق المعلمين ما هي إلا ككلمة حق يراد بها باطل ،، استغلها البعض من أجل المناكفة السياسية وزعزعة الاستقرار ،، وحرفه عن مساره الصحيح ،، مع أن الجهات التي تقف خلف هذا الإضراب ليست أجسام شرعية قانونية ،، وغير مُعرفة ،، ورغم ذلك تعاطت معها الحكومة وأذعنت لها وتعاطت مع مطالبها ،، كما أن الجسم الشرعي الذي يُمثل المعلم والمعلمة الفلسطينية معلوم للجميع ،، وهو الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينين ،، وهو الذي لم يذخر جهداً في المطالبة بحقوق المعلمين وانتزاعها من الحكومة وقد أبلى في ذلك بلاءً حسناً ،، وأنجز عدة قضايا هامة ،، وعالج الكثير من الإشكاليات التي كانت عالقة من خلال عقد اتفاقيات مع الحكومة وكل الجهات ذات الإختصاص ..*

*فمنذ بدايـة إضراب المعلمين كانت كل المؤشرات تدلل على أنه إضراب في ظاهره المطالبة بالحقوق وجوهره استغلال وتسييس من قبل البعض ،، ضد السلطة الوطنية مدعوماً من بعض خصومها وخصوم حركة فتح مستخدمين اسم حراك المعلمين الموحد ،، هذا الإسم الوهمي ،، والغير معلوم من يديره سوى بعض منصات التواصل الاجتماعي ،، ويحركه الذباب الإلكتروني لدى لبعض ،، الأمر الذي يفتح تساؤل مهم وهو لطالما هذا الحراك يؤثر في العملية التعليمية ويستجيب لدعوته الكثيريين من المدرسين فلماذا لا يخرج مُنظموه على العلن ،، ويتحدثوا عن تلك المطالب صراحة ويتبنوها بشكل حقيقي ويفاوضوا الحكومة ويضعوا سقوف زمنية لتحقيق المطالب واختبار جدية الحكومة ؟؟ فما يؤسف أن بعض المعلمين الفلسطينين انجروا وراء سراب وأوهـام ،، وهم من شاهدوا بأم أعينهم وسمعوا بأذانهم موقف الحكومة واستجاباتها لكل المبادرات والجهات التي تدخلت في هذه القضية ونفذت ما وعدت به ،، ولم يلتزم المضربين في انهاء الإضراب والعودة الي المدارس لإنقاذ العام الدراسي وعدم اضاعته عن الطلاب والطالبات ..*

*عدم استجابة المضربين لكل الدعوات بالعودة للمدارس ،، وبعد وفاء الحكومة لما وعدت به يدلل بما لا يدع مجالاً للشك ،، أن أهداف الحراك ليس حقوق المعلمين ويضع الكثير من علامات الاستفهام حوله ،، الأمر الذي يتطلب من الحكومة أخذ موقف حازم في هذا الموضوع ،، وأن لا تنتظر كثيراً وتخضع للابتزاز من بعض العابثين المستغلين لقضية المعلمين ،، وبحث كل الوسائل الممكنة من أجل العودة الأمنة لأبنائنا الطلاب لمقاعد الدراسة ،، حتى ولو تطلب الأمر اتخاذ اجراءات غير متوقعة ضمن القانون والنظام العام ..*

*إن الحديث في هذه القضية ليس دفاعاً عن الحكومة أو التبرير لها أو إيجاد الذرائع لها ،، بقدر ما هو الخطر المحدق بمستقبل أبنائنا الطلاب والطالبات وتهديد المنظومة التعليمية ،، ولو تحدثنا عن مصطلح الحقوق ،، فموظفي غزة هـم أكثر من اكتوى بنار الحكومة ،، من حيث الحقوق والاستحقاقات ،، والعلاوات والأمور المالية الأخرى ،، فهل يعلم ما يسمى بحراك المعلمين الموحد أن هناك موظفين في غزة رواتبهم مقطوعة منذ سنوات ،، وموظفين بشقيهم العسكري والمدني محرومين من حقوقهم المتمثلة باستحقاق الرتب العسكرية ،، والدرجات الوظيفية ،، والعلاوات والبدلات وبدل طبيعة العمل ؟؟ والخصومات التي طالت رواتبهم منذ العام 2017 ولحتى تاريخه لم يحصلوا عليها ؟؟ ولديهم راتب كامل عن شهر مارس للعام 2018 لم يتقاضوه ،، ولم يأتي على ذكره أحد ،، ولم نعرف ما مصيره ،، وما مصير الخصومات السابقة ،، وهل هي دين للموظف في ذمة الحكومة ام لا ؟؟ ولكن ما يمكن القول في هذا الشأن أن سياسة الإحتلال تجاهنا وقرصنة الأموال هي من تجعلنا نصمت عن المطالبة ،، فالإحتلال المتسبب الرئيسي والمباشر لأغلب مشاكلنا وهمومنا وقضايانا العالقة ،، اضافة للإنقسام الجاثم على صدورنا وتبعاته وانسلاخ غزة عن باقي أجزاء الوطن ،، كلها كان لها دور بذلك حتى أن أصبح موظفي غزة عامة ،، ومنهم أبناء فتح خاصة الحلقة الأضعف واللقمة السائغة في هذا الموضوع ..*

*بعد تلبية الحكومة لجزء كبير من مطالب المعلمين حسب ما صرح به رئيس الحكومة د. محمد اشتية في جلسة مجلس الوزراء الإثنين الماضي بأن الحكومة قامت بكل ما يلزم تجاه المعلمين وتحقيق مطالبهم وحفظ كرامتهم ،، سواء كان ذلك إضافة 15% على قسيمة الراتب اسوة ببقية النقابات ،، واطلاق عملية الانتخابات لاتحاد المعلمين ،، وغيرها من قضايا ،، على أمل التزام المعلمين والقيام بواجباتهم الوظيفية والعودة الى مدارسهم ،، كذلك ما صرح به الناطق باسم الحكومة ابراهيم ملحم في بيان سابق عن إعادة الخصومات لجميع المعلمين وصرف 5% من العلاوة على راتب المعلمين هذا الشهر وصرف البقية 10% عند توفر المبالغ المالية وأموال المقاصة ومن ثم وافقت الحكومة على إدراج ألـ 15 % ضمن قسيمة الراتب كدين للمعلم في ذمة الحكومة ،، فالمنطق يقول أن ينتهي الإضراب بعد أن حقق أهدافه ،، ولكن الاستمرار فيه يضع علامات استفهام كثيرة ،، وهو بمثابة الضرب بعرض الحائط لكل المبادرات ومحاولات الحكومة لإنهاء هذا الإضراب ،، ونداء حركة فتح ولجنتها المركزية ومجلسها الثوري ،، وأقاليمها ،، والقوى الوطنية ،، والفعاليات الأخرى ،، وإدارة الظهر لكل دعوات الأهالي ،، ومجالس أولياء الأمور والنشطاء لإنقاذ العام الدراسي ،، فهذا يتطلب من المعلم الفلسطيني الحر والمناضل أن ينتصر لذاته وقيمه الوطنية ،، وأن لا يسمح للأخرين المتاجرة بقضيته العادلة واستغلالها لأغراض خبيثة ،، فالمعلم الفلسطيني كان ولازال وسيظل معول بناء لا هدم ،، وهو من سيفشل كل مخططات الاحتلال وأعوانه ،، فكلمة الفصل له ولضميره الحي ،، فلقد آن الأوان لأن يقطع الطريق على كل المستغلين العابثين ،، ودون ذلك فالحكومة مطالبة بتحمل مسؤلياتها والكف عن سياسة الاستجداء والاحتواء التي لم تؤتي أُكُلها ،، وتحسم المسألة مهما كلف الثمن ومهما كانت النتائج ،، ولتحمي العام الدراسي وأن لا تسمح بإطالة أمد العبث واستغلال الإضراب للي الذراع ،، كذلك يجب على الأهالى عدم التسليم والسماح للبعض بتخريب العام الدراسي وتدمير مستقبل أبنائنا ،، ويجب التصدي لهم ومطالبة الحكومة بمحاسبة كل من لم يلتزم ويُمعن بالإضرار بمستقبل أبنائنا ،، والمساهمة في هدم البُنية التعليمية ..

عن أبو آدم

شاهد أيضاً

محاولة أخرى على طريق استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية ،، فهل ينجح لقاء القاهرة ؟؟*  

*محاولة أخرى على طريق استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية ،، فهل ينجح لقاء القاهرة ؟؟* *عبدالله …

اترك تعليقاً