سلافة حجاوي.. النجم اللامع والأنا المفقودة

سلافة حجاوي.. النجم اللامع والأنا المفقودة

رام الله 15-9-2021 شبكة العاصفة الإخبارية:-

“لم تكن إنسانة عادية”، هذا التعبير الذي انطلق به لسان جيهان السرساوي، حين أرادت وصف حالة التفرد التي كانت تمتاز بها المناضلة والأديبة سلافة حجاوي، التي وافتها المنية يوم أمس الثلاثاء، عن عمر ناهز 87 عاماً.

جيهان التي عملت لأكثر من 10 سنوات مديرة لمكتب حجاوي، رأت فيها مناضلة مبدعة ومخلصة للقضية الفلسطينية، ولم تكن تبحث عن نفسها كثيراً في الحياة السياسية والثقافية التي عاشتها بين العراق ولبنان وتونس وفلسطين.

تقول السرساوي: “كنت مساعدتها الشخصية ومديرة مكتبها في قطاع غزة منذ 1994 وحتى تقاعدها، طيلة تلك الفترة كنت أشعر أن الأنا لديها مفقودة. اهتمامها اتجه صوب العمل الوطني والسياسي والإنساني، ولم تكن تنتظر أي مقابل مادي أو معنوي”.

ونظراً لما امتازت به من رجاحة العقل والرؤية الثاقبة، شغلت سلافة حجاوي منصب المدير العام لمركز التخطيط الفلسطيني، الذي كان يتبع مباشرة لمكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات، وعملت مستشارة للرئيس لفترة من الزمن.

تضيف السرساوي: “سلافة.. فكر وعقل. كانت حازمة وصاحبة إرادة وهذا ما يتطلبه عملها كمستشار للرئيس ومدير مركز أبحاث ودراسات كان الأهم في حينه. حقيقة كان يجب أن تكون بهذا الشكل”.

لم يشعر المقربون من حجاوي أن أصابها التعب يوماً، لا تتوانى عن التوجه مباشرة للقاء الراحل أبو عمار في أي وقت لتصويب الوضع في حال وقع خطأ ما، ولم تكن تغادر مكتبها قبل أن تنهي المهام التي توكلها لها القيادة.

وحين كان يسيطر عليها الغضب، وتتخذ قرارات يغلب عليها الانفعال، كانت تطلب من جيهان السرساوي تصويب الأمر بطريقة تظهر تراجعها، لأنها لا تود أن تظهر ضعيفة.

كما أنها تمتعت بذاكرة قوية، كما تروي مديرة مكتبها، فلما كانت تطلب أن يأتى لها بمقال أو بحث لمراجعته، تتذكر في أغلب الأحيان في أي كتاب ورد، والكتاب في أي رف موضوع.

تروي جيهان: “ذاكرتها أكثر ما ميزها، ومعرفتها في الكثير من الأمور التي قد ترتقي إلى حد الفراسة، وحين كانت تتخذ قرارات تثير استغرابنا، تدهشنا بصوابها ولو بعد حين”.

ورغم أن الراحلة سلافة حجاوي كانت “واصلة” بالمفهوم الفلسطيني، إلا أنها لم تستخدم نفوذها في منح ابنيها من زوجها العراقي الشاعر كاظم جواد، الهوية الفلسطينية، لأنها كانت تعتقد أن هناك من هو أولى.

تذكر مديرة مكتبها أنها قالت يوماً، “هناك فلسطينيون أولى من ابني للحصول على لم الشمل. لا أريد أن أضيع الفرصة على مواطنين لقاء أهاليهم، أنا أحمل جواز سفر وبإمكاني زيارتهما في أي وقت”.

وذلك ما يضيف ألماً على ألم الفقد، توفيت دون تمكن ابنيها من زيارتها بعد مرضها، أو وداع جثمانها قبل مواراته الثرى عصر اليوم الأربعاء. مصعب يقيم في العراق مسقط رأسه، وشعلة تعيش في التشيك، ولم تفلح المساعي التي بذلت لتسهيل قدومها إلى فلسطين للتواجد بين صفوف المودعين، بحكم أن شهادة الوفاة أرسلت في وقت متأخر.

هذا ما قاله محمود النجار، رفيق درب الراحلة سلافة في تونس وغزة، وزميلها لأكثر من 10 سنوات في مركز التخطيط الفلسطيني، الذي أنشئ بقرار من المجلس الوطني اللفلسطيني في الدورة الرابعة التي انعقدت في القاهرة عام 1967.

كُلف النجار من قبل الرئاسة بمتابعة الحالة الصحية للراحلة حجاوي بعد أن تسللت أمراض تقدم العمر إلى جسدها، ودون تكليف كما يؤكد، كان سيقوم بهذا الدور بحكم قرب العلاقة بينهما.

ويضيف النجار: “بحكم علاقتنا الوطيدة، كنت أعكف على زيارتها في بيتها برام الله بعد تقاعدها 2000، أتفقدها واسأل عن أحوالها واحتياجاتها، سيما أنها كانت تبقى وحيدة، فزوجها رحل وتوفيت شقيقتها الأخرى في سوريا العام الماضي، وإحدى شقيقاتها تقيم في الأردن، فيما يعيش بعض من أقاربها في نابلس”.

سلافة كما يراها محمود، وعلى الصعيد الشخصي، كانت قريبة من جميع العاملين في مركز التخطيط وكانت سلسة في التعامل، ولم تخلق عداوات بالمطلق مع أي كان، وهي المناضلة والكاتبة والباحثة والمترجمة والشاعرة، بالإضافة إلى كونها مديرة مركز التخطيط التابع مباشرة للراحل ياسر عرفات وكانت مقربة منه.

عكف المركز على إصدار تقارير دورية وأوراق تقدير موقف ودراسات وأبحاث، كانت تقدم للمستوى السياسي الفلسطيني والمؤسسات الرسمية والقيادة، منها ما كان ينشر إذا أشر عليه الرئيس أبو عمار بكلمة “للتوزيع”، ومنها ما كان يوجه لشخصيات قيادية بعينها.

وشكل مركز التخطيط مؤسسة استشارية خاصة بالرئيس أبو عمار، وحين كان ينوي التوجه في زيارات إلى الخارج، كان يطلب دراسات وخرائط، كانت تشرف عليها سلافة حجاوي، وتساهم بدورها في كتابة العديد من الأبحاث والتقارير، كما كانت مختصة بالترجمة بين اللغتين العربية والإنجليزية.

يقول النجار: “مركز التخطيط كان أحد أهم المؤسسات التابعة للرئاسة ومنظمة التحرير الفلسطينية في السابق، وكان لها أهمية وحساسية في تاريخ النضال الفلسطيني، ولسلافة دور هام وفعال أبقاها قريبة من صناعة القرار، نظراً لما تمتعت به من حس وطني وقومي”.

لم يكن من اهتمامات حجاوي أن تحظى بمنصب أو تكريم رغم أنها أهل لذلك، إذ كانت تؤدي رسالتها وتعمل لخدمة القضية الفلسطينية.

ويرى النجار في سلافة نجمة فلسطينية لامعة عربياً في مجال الأبحاث والترجمة والشعر، ولكنها لم تنشغل باسمها رغم ما تمتلكه من رصيد ثقافي وسياسي، حيث اطلع في إحدى زيارته على الكثير من المؤلفات والمنشورات التي عكفت على كتابتها أو نقلها للعربية في المراحل المختلفة لحياتها التي امتدت لـ87 عاما.

ويرى الروائي والإعلامي زياد عبد الفتاح، أن المناضلة الراحلة سلافة حجاوي اكسبت المرأة الفلسطينية مهابة عربياً ودولياً، وساهمت كغيرها من المناضلات في تقلد النساء الفلسطينيات مناصب رفيعة، والقيام بأدوار طليعية ومهمة في مسيرة النضال الفلسطيني.

يقول عبد الفتاح: “خسرنا رقما مهما، وبالتحديد لكونها امرأة، خاصة أن السيدات اللواتي قدمن أدوارا طليعية في رحلة الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير يعتبرن قلائل مقارنة بنسبة الرجال”، وبغيابها، خسرت القضية الفلسطينية شخصية ملتزمة جادة على الدوام ولم تتهاون في أداء واجبها الوطني، وبزغت شمسها في رسم السياسات والدراسات السياسية، في مرحلة كانت فيها القضية الفلسطينية تتطلب رواداً يقدمون الخطط والأفكار والرؤى التي تعين صانع القرار على اتخاذ السياسية الوطنية.

وما أعطاها تفرداً وميزة إضافية، حسب عبد الفتاح الذي تقاطع عملهما كونه أحد مؤسسي وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا”، أنها سيدة مثقفة واسعة الاطلاع اجتهدت وعملت على نفسها، وحافظت على هويتها الفلسطينية رغم إقامتها بين بغداد وبيروت وتونس، ولم تذب في دوامة الانتماءات الحزبية في أماكن تواجدها.

“قدمت حجاوي نموذجاً مختلفاً عن بعض من سبقها ومن جاء بعدها، حيث كانت موجودة في العراق ليس بسبب انتمائها السياسي لحزب البعث ولا لنظام الحكم هناك، لذلك أراها تفوقت على غيرها من الفلسطينيين، لأنها لم تكن منخرطة في سياسات الدول المستضيفة”، يقول عبد الفتاح.

ويضيف، عندما توجه ابو عمار إلى الأمم المتحدة عام 1974، كان لمركز التخطيط دور كبير في إرساء قواعد السياسة التي كان ينتهجها الراحل عرفات في مخاطبة العالم، وفي ذلك الوقت، لم تكن سلافة موجودة في بيروت لكنها ومن خلال عملها في بغداد كمديرة لمركز الدراسات الفلسطينية، استطاعت أن تبعث برسائل وتوجيهات مهمة، أسهمت في رسم الخطوط  والسياسات.

ويعتقد عبد الفتاح أن عودة الراحلة سلافة حجاوي إلى فلسطين عام 1994، يمثل تتويجا للدور الهام الذي لعبته على المستويات الثقافية والسياسية والبحثية، ومواراة جثمانها في ثرى الوطن قد يشكل جزءاً من الثناء على أدائها الوطني وخدمة القضية الفلسطينية.

عن علي

شاهد أيضاً

وفد مشترك من هيئة علماء المسلمين في لبنان ورابطة علماء فلسطين في لبنان يلتقي فتحي أبو العردات 

رام الله/ شبكة فتح العاصفة الإخبارية المصدر / د. وسيم وني التقى وفد مشترك من …

اترك تعليقاً