المأزق الصهيوني ، بقلم : الدكتور / محمد عودة

المأزق الصهيوني ، بقلم : الدكتور / محمد عودة

ان فكرة إقامة دولة لليهود ليست مرتبطة بأفكار الحركة الصهيونية المعاصرة بل سبقت ذلك بوقت طويل وأول من استثمر النصوص المأخوذة عن التوراة النسخة الإنجليزية الاستعمار لكي يصنع راس حربة لأطماعه وللتخلص من اليهود من جهة أخرى.

لم يتم العثور على توثيق لتاريخ محدد لإرهاصات التحضير لإقامة الكيان وبغض النظر في أي جغرافيا، الا ان ما تم توثيقه بهذا الخصوص كان في عهد السلطان العثماني سليم الأول الذي منح اليهودي يوسف النسيء إقليم طبريا بين 1512م و1520م مما أتاح تمكين بعض اليهود من الاستيطان في فلسطين.

ثم تلا ذلك ظهور يهودي اخر يدعى شبتاي صبي وهو الماني ادعى انه المسيح وان خلاص اليهود من الشتات سيكون على يده وذلك عام 1647 ويشار الى ان اليهود المعتدلين في بريطانيا اعتبروه كافراً وحكموا عليه بالإعدام مما دفعه للهرب الى اليونان ويقال انه أعلن اسلامه لاحقا.

ثم جاء عهد البيوريتانيين ( الجمهوريين) في بريطانيا بزعامة اوليفر كرومويل وحلفائه أصحاب رؤوس الأموال من اليهود ومن بينهم حليفه اليهودي الهولندي مناسح بن إسرائيل (منشة بن إسرائيل ) وقد استخدم كرومويل كل صلاحياته لمساعدة صديقة مناسح عبر الموافقة على السماح بسكن اليهود في الجزر البريطانية كمقدمة لتجميعهم في فلسطين ،وكان كرومويل من انصار منع وحدة جنوب وشرق البحر المتوسط فتبنى فكرة انشاء كيان يمنع وجود تكتل قوي في المنطقة لتحقيق غاياته الاقتصادية الاستعمارية وخدمة لصديقه ماسح بن إسرائيل وكسداد للمبالغ الطائلة التي اقترضها من المرابين اليهود.

استمرت المحاولات الى ان وصل الى رئاسة حكومة بريطانيا السيد كامبل بنرمان والذي عمل مع بعض الدول الأوروبية في اجتماع سري استمر ما بين 1905 و1907 والذي سعى من خلاله أيضا لتجسيد نظرية سلفه أوليفر كرومويل بإقامة دولة عازلة تمنع وحدة مسلمي افريقيا واسيا وتُأمن الطرق التجارية بين الشرق والغرب.

صدرت عن الاجتماع وثيقة غير متوفرة للعموم (علما ان لي صديق وعدني بنسخة ولا زلت انتظر) حيث تناولت الوثيقة نتائج الاجتماع السري مجموعة من التوصيات أهمها تقسيم دول العالم الى ثلاث فئات: –

أولا: -دول الحضارة الغربية من المسيحيين.

ثانيا: – دول لا تنتمي للحضارة الغربية لكن لا يوجد معها صدام حضارات.

ثالثا: – دول لا تنتمي للحضارة الغربية ويوجد بينها وبين الغرب صدام حضارات وهي الدول العربية والإسلامية.

وبناء على ما تقدم تم اقتراح توفير الظروف الملائمة لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وبدا العمل على استبدال الولاية العثمانية على فلسطين بولاية غربية تسهل وتشارك في تجسيد الدولة اليهودية وعندما وضعت الحرب العالمية الأولى اوزارها بهزيمة الإمبراطورية العثمانية اجتمع (فرانسوا جورج بيكو ومارك سايكس ) وزراء اهم دولتين استعماريتين (فرنسا وبريطانيا ) من اجل تقسيم المنطقة وتقاسم النفوذ فيها بمباركة الإمبراطورية الروسية وإيطاليا حيث اصرت بريطانيا ان تتولى هي الاشراف على فلسطين على الرغم من ان بلاد الشام كانت من حصة فرنسا ،وتجسيدا لهذا الاتفاق اصدر آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا في 2 نوفمبر 1917 وعدا يمنح اليهود وطنا قوميا في فلسطين تبعه مرسوم ملكي بإنشاء امارة شرق الأردن كدولة عازلة تحمي نتائج وعد بلفور وتمهد الطريق امام الحصول على صك الانتداب على فلسطين وهكذا حصل.

ربما علينا ان نعود قليلا الى الوراء وبالتحديد لانعقاد مؤتمر بازل حتى يكون الربط بين المحتوى والعنوان ذا مغزى ومفهوم للقارئ، لقد كان انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في 15 أيار 1897 قد وضع الأسس لإقامة الدول ورسم معالمها لكي تكون اشبه بدول المجموعة الأولى في تصنيف وثيقة كامبل. فكان ان وضعوا أسس السلطات الثلاث الرئيسية: – السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية ووضعت الحدود الواضحة بين السلطات الثلاث ودعمت هذه السلطات بسلطة رابعة عبر ماكينة إعلامية ضخمة ووفرت البيئة الاقتصادية لذلك.

نعود مجددا الى الموضوع فعندما نضجت الظروف الذاتية والموضوعية خاضت عصاباتهم حربا ضروسا ضد أصحاب البلاد وبدعم مكشوف من الانتداب افضيا الى إقامة الدولة بقرار اممي ومنذ ذلك التاريخ حتى وصول نتنياهو للحكم كان الحدود واضحة بين السلطات واهمها القضائية التي لم تكن نزيهة بما يخص السكان غير اليهود الا انها كانت تطبق سياسة الدولة العميقة في إسرائيل وتحظى باستقلال عالي النسبة عن الحكومة لدرجة انها سجنت رئيس الدولة ورئيس الوزراء. وكان ذلك ضمن دولة فيها تداول للسلطة واحترام القضاء حتى وان لم يكن عادلا.

عندما جاء نتنياهو الى الحكم متسلقا على تاريخ والده (الذي كان يطمح بخلافة جابوتنسكي) ودماء شقيقة الذي قتل في عملية عنتيبي فاعتقد انه بهذا يمتلك حصانة فامعن في الفساد والتسلط والفردية لدرجة انه أصبح لا يختلف كثيرا عن الدكتاتوريات العربية المحيطة، ومن اجل حماية نفسه من القضاء المستقل اخذ البلد الى أربعة انتخابات في خمس سنوات وعندما فشل في تحصين نفسه لجأ الى طريقين متوازيين:

الأول: -التحالف مع اليمين الفاشي الذي يتزعمه سمو تريش الذي طرح مشروع الحسم عام 2017 الذي يهدف الى تجسيد إسرائيل بين النهر والبحر ومنع قيام دولة فلسطينية واداته بن غفير حتى يظهر نتنياهو كأنه المعتدل في هذه الحكومة.

الثاني: – سن قوانين ستؤدي لاحقا الى صراعات داخلية بين مكونات المجتمع الإسرائيلي وخارجية مع الجاليات اليهودية العلمانية وبعض الدول التي تدافع عن حقوق الانسان، وما المظاهرات والاعتصامات الأسبوعية ضد حكومة اسرائيل بما في ذلك مشاركة بعض ضباط الجيش وأجهزة الامن الا دليلاً على ذلك.

في عهد نتنياهو تشكلت في إسرائيل منظمات مجتمع مدني تطالب اليهود بمغادرة إسرائيل وكان أهمها مجموعة لنغادر البلاد معا. وفي عهد نتنياهو ازادت هجرة رؤوس الأموال بعشرة اضعاف حسب ما ورد في الاجتماع الذي عقد مؤخرا بين مدراء البنوك ووزير المالية سمو تريش.

ان بدء تطبيق مشروع سمو تريش (الحسم) عبر المجازر التي تُرتكب بشكل يومي والتي تعتبر وتيرتها هي الأعلى منذ زمن طويل بالتأكيد ستزيد من تشرذم المجتمع الإسرائيلي وستفضي الى عزلة أكبر لإسرائيل. كدولة محورية في المنطقة في طريقها الى الهاوية فالفشل في إيجاد حل مع الفلسطينيين او حتى عدم الرغبة دفعتهم الى الهروب الى الامام باتجاه التطبيع مع الأنظمة العربية التي تحتاج الى حماية بينما من يقاتل الإسرائيليين منذ مئة عام لا زالوا متشبثين بحقهم وسيواصلون النضال وبكل الوسائل الى ان يجسدوا دولتهم وعاصمتها القدس. وعلى عقلاء إسرائيل ان يعوا ان دولتهم ستنهار وان كل ممالك اليهود انهارت بصراعاتهم الداخلية وعلى القيادة الفلسطينية ان تعمل على تطوير وتعميم المقاومة الشعبية ضمن استراتيجية واضحة.

عن علي

شاهد أيضاً

وفد مشترك من هيئة علماء المسلمين في لبنان ورابطة علماء فلسطين في لبنان يلتقي فتحي أبو العردات 

رام الله/ شبكة فتح العاصفة الإخبارية المصدر / د. وسيم وني التقى وفد مشترك من …

اترك تعليقاً